19/01/2022 - 22:22

لماذا يعشق قوميّو الهند الهندوس نموذج الدولة القوميّة الإسرائيليّ؟ | ترجمة

لماذا يعشق قوميّو الهند الهندوس نموذج الدولة القوميّة الإسرائيليّ؟ | ترجمة

أنصار حزب بهاراتيا جاناتا يرتدون أقنعة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، الهند | بيكاس داس/ أ ب

 

المصدر: The Conversation.

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة.

 

ثمّة علاقة ودّ مميّزة بين اليمين الإسرائيليّ والقوميّين الهندوس في الهند. عام 2017، رحّب بنيامين نتنياهو برئيس الوزراء الهنديّ ناريندرا مودي في إسرائيل بهذه الكلمات: "رئيس الوزراء مودي، لقد كنّا ننتظرك منذ زمن طويل، منذ نحو 70 عامًا (...) إنّنا نرى فيك روحنا المشتركة".

يتشارك رئيسا الوزراء، اللذان يصارعان من أجل إعادة الانتخاب في ربيع 2019، علاقة حميمة، وكثيرًا ما يشيران إلى بعضهما بعضًا على تويتر بـ "صديقي العزيز ناريندرا" و"صديقي بيبي".

تمتدّ جذور هذا الحبّ إلى الإعجاب العميق الّذي كنّته أجيال من القوميّين الهندوس للصهيونيّة، وإسرائيل الّتي يريدون أن يقلّدوا نموذجها للدولة القوميّة في الهند...

ترتكز علاقة الحبّ هذه بين بيبي ومودي على أكثر بكثير من التوافق الشخصيّ، وحتّى على أكثر من الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة الّتي تؤدّي دورًا أساسيًّا في إشباع الحاجات العسكريّة الهنديّة. تمتدّ جذور هذا الحبّ إلى الإعجاب العميق الّذي كنّته أجيال من القوميّين الهندوس للصهيونيّة، وإسرائيل الّتي يريدون أن يقلّدوا نموذجها للدولة القوميّة في الهند.

كثيرًا ما يدّعي العلمانيّون الهنديّون أنّ القوميّين يريدون تحويل الهند إلى نموذج هندوسيّ من باكستان. ليسوا مخطئين تمامًا؛ فكما خلطت سياسة مؤسّس باكستان محمّد علي جناح بين الدين والقوميّة والدولة، كذلك تفعل الـ «هندوتفا»، الأيديولوجيا القوميّة الهنديّة السياسيّة الّتي وُلِدَتْ في عشرينات القرن العشرين.

لكن للتشابه مع باكستان حدودًا؛ فلأكثر من ستّين عامًا، ظلّت باكستان دولة خاضعة لسيطرة الجيش، بينما في الهند نظام ديمقراطيّ متقدّم. لقد كان دائمًا غير ممكن أن يظهر في الهند شبيه لضياء الحقّ، الديكتاتور الإسلامويّ الّذي حكم باكستان من 1977 إلى 1988، فيفرض الهندوسيّة على الدولة. لذلك؛ على القوميّين الهندوس في الهند أن يسعوا نحو هدفهم في إعادة تشكيل الهند، عبر نموذج يتوافق مع النظام الديمقراطيّ.

ثمّة نموذج لنوع دولة هي في الآن ذاته ديمقراطيّة وتفوّقيّة عنصريّة: إسرائيل. إسرائيل، عرّفت ذاتها بأنّها "دولة يهوديّة وديمقراطيّة"، وفي تمّوز (يوليو) من عام 2019، فازت الأغلبيّة اليمينيّة في الكنيست في التصويت على تضييق هويّة إسرائيل أكثر، فجعلتها "الدولة القوميّة للشعب اليهوديّ، الّتي تحترم حقوق جميع مواطنيها". هذه المراجعة في التعريف تشير بوضوح إلى سطوة المتشدّدين والمتطرّفين على السياسة الإسرائيليّة.

 

الودّ للصهيونيّة وإسرائيل

عبّرت أجيال متعاقبة من القوميّين الهندوس - من فيناياك دامودار سافاركار (1883-1966)، الّذي أسّس مصطلح «هندوتفا»، إلى مودي اليوم - عن محبّتهم العميقة لإسرائيل. في عام 1920 كتب سافاركار: "إذا ما تحقّق حلم الصهاينة – إذا ما أصبحت فلسطين دولة يهوديّة – فإنّ ذلك سيُسعدنا بقدر ما سيُسعد أصدقاءنا اليهود".

في أواخر الثلاثينات، كتب مادهافراو ساداشيفاراو جولووكر (1906-1973)، الّذي قاد الحركة القوميّة الهندوسيّة في الهند ما بعد الاستقلال، بصفته قائد «منظّمة التطوّع الوطنيّة (RSS)»، إنّ الحركة الصهيونيّة تمثّل نموذجًا حيًّا لمبادئ الوحدة الخمسة...

وفي نهاية عام 1947، كان سافاركار مستاءً جدًّا من أنّ البعثة الهنديّة إلى «الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة» جادلت من أجل وطن ثنائيّ القوميّة في فلسطين، وصوّتت ضدّ خطّة التقسيم المقترحة من أجل تقسيم فلسطين إلى دولة يهوديّة كبيرة، ودولة عربيّة أصغر.

في أواخر الثلاثينات، كتب مادهافراو ساداشيفاراو جولووكر (1906-1973)، الّذي قاد الحركة القوميّة الهندوسيّة في الهند ما بعد الاستقلال، بصفته قائد «منظّمة التطوّع الوطنيّة (RSS)»، إنّ الحركة الصهيونيّة تمثّل نموذجًا حيًّا لمبادئ الوحدة الخمسة الّتي وضعها إطارًا للقوميّة الهنديّة: "لقد حافظ اليهود على عِرقهم ودينهم وثقافتهم ولغتهم، وكلّ ما يريدونه هو حيّزهم الطبيعيّ من أجل استكمال قوميّتهم".

 

الديمقراطيّة الإثنيّة مبدأ مشترك

طوّر المفكّرون اليهود الإسرائيليّون نموذج «الديمقراطيّة الإثنيّة»، مستخدمين إسرائيل نموذجًا. أحد هؤلاء هو سامي سْموحَة الّذي عرّف الديمقراطيّة الإثنيّة بأنّها "شكل بديل غير مدنيّ للدولة الديمقراطيّة يُعَرَّف من خلال شعب عرقيّ واحد، ويخدمه"، مؤكّدًا أنّ أوضح مثال على الديمقراطيّة الإثنيّة اليوم هو إسرائيل الّتي "تقوم على الهيمنة الصهيونيّة، والإخضاع البنيويّ للأقلّيّة العربيّة" – الّتي تشكّل اليوم 20% من مواطني الدولة اليهوديّة. ما يدفع هذه إلى الأمام، يقول سْموحَة، هو أيديولوجيا "تميّز بشكل واضح بين المنتمين إلى الأمّة العرقيّة والخارجين عنها"؛ فهؤلاء الخارجون يُنْظَر إليهم بصفتهم تهديدًا غير مرغوب فيه، وعناصر تخفيف بيولوجيّ، وفيضانًا ديموغرافيًّا، وانحطاطًا ثقافيًّا، وخطرًا أمنيًّا، حتّى طابورًا خامسًا للدول الأعداء.

هذه تمامًا نظرة القوميّين الهندوس تجاه المسلمين الهنود، الّذين يشكّلون 15% من سكّان الهند، وأكبر أقلّيّة دينيّة فيها.

التفرقة بين المنتمين إلى الأمّة والخارجين عنها أساس تغيير مثير للجدل على قوانين الجنسيّة الهنديّة، الّذي تدفع نحوه حكومة حزب مودي، حزب «بهاراتيا جاناتا»، منذ عام 2016. التشريع المطروح سيعطي الجنسيّة الهنديّة إلى أعضاء من أقلّيّات دينيّة معيّنة (الهندوس، والسيخ، والمسيحيّين، والبوذيّين، والجاينيّين، والزردشتيّين)، من ثلاث دول ذات أغلبيّة مسلمة في محيط الهند – بنغلادش، وباكستان، وأفغانستان – استقرّوا في الهند دون سند قانونيّ.

بذلك؛ سيكون للهندوس ولغير المسلمين من هذه الدول الثلاث، طريق مختصر للحصول على الجنسيّة الهنديّة، بذريعة أنّهم ضحايا اضطهاد دينيّ. القانون المقترح، يوازي، بشكل أكثر محدوديّة، السياسة الإسرائيليّة القائمة على تشجيع هجرة اليهود إلى إسرائيل من كلّ أنحاء العالم. هذا القانون يرسل رسالة صريحة بأنّ ثمّة مَنْ هم مرغوب فيهم مواطنين في الهند، ومَنْ هم غير مرغوب فيهم.

 

ألهند نسخة من إسرائيل؟

لا تقوم الديمقراطيّات الإثنيّة باستثناء المواطنين غير المرغوب فيهم وحرمانهم تمامًا. للإسرائيليّين العرب [المحرّر: مصطلح الكاتب] حقوق دينيّة وثقافيّة. العربيّة لغة تحظى باعتراف رسميّ (مع أنّ مراجعة تمّوز (يوليو) 2018 أكّدت تفوّق اللغة العبريّة عليها)، وعادة ما يكون نحو 10% من أعضاء الكنيست من العرب الإسرائيليّين [المحرّر: مصطلح الكاتب]. في الآن نفسه، فإنّ مجموعة من السياسات الرسميّة وغير الرسميّة تضمن أن يظلّ المجتمع العربيّ معزولًا في غيتوهات محرومة، وأن يوضع أعضاؤه في صفّ المواطنين من الدرجة الثانية.

ليست إسرائيل المثال الوحيد على الديمقراطيّة الإثنيّة. هناك سريلانكا، حيث استحوذ القوميّون من أكثريّة السنهالا البوذيّة على الدولة، بعد استقلالها منذ عام 1956 حتّى اليوم. هناك أيضًا كرواتيا، الّتي أصبحت عضوًا في الاتّحاد الأوروبّيّ منذ عام 2013، وقد أعلنت استقلالها عام 1991 على أنّها "الدولة القوميّة للشعب الكرواتيّ، ودولة أعضاء الأقلّيّات القوميّة الأخرى الّذين يحملون جنسيّتها".

من غير المؤكّد أنّ دولة فيها 1.3 مليار إنسان، تُعَرِّفها ثقافيًّا تنوّعات هويّاتيّة وسياسيّة متداخلة، يمكن أن تُحَوَّل إلى نسخة عملاقة من إسرائيل، أو كرواتيا، أو سريلانكا.

تخلق الديمقراطيّات القوميّة تسلسلًا هرميًّا واقعيًّا للمواطنة، بحيث يكون البعض مواطنين كاملين من الدرجة الأولى، ويكون الآخرون مواطنين من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال. الحركة الهندوسيّة القوميّة الحاليّة وفيّة جدًّا للأساس الأيديولوجيّ، الّذي وضعه المؤسّسون الأوائل – سافاركار وجولووكر – قبل أكثر من ثمانية عقود. عام 1938، أعلن سافاركار أنّ "الهندوس شعب الهند، أمّا المسلمون فهم مجتمع أقلّيّة"، تمامًا كما "أنّ الأتراك هم شعب تركيا، والعرب، أو الأرمن، مجتمعات أقلّيّات". كتب جولووكر في العام ذاته: "إنّ غير الهندوس في هِنْدِسْتان (...) يمكنهم أن يبقوا في الدولة، خاضعين تمامًا للشعب الهندوسيّ".

إنّ النموذج ‘الديمقراطيّ‘ للدولة، كما تمثّله إسرائيل – وليس باكستان – هو النموذج الّذي تسعى الحركة القوميّة الهندوسيّة، بقيادة «منظّمة التطوّع الوطنيّة»، إلى خلقه في نسخة هنديّة. لكن، هل ستنتصر هذه الرؤيا؟ من غير المؤكّد أنّ دولة فيها 1.3 مليار إنسان، تُعَرِّفها ثقافيًّا تنوّعات هويّاتيّة وسياسيّة متداخلة، يمكن أن تُحَوَّل إلى نسخة عملاقة من إسرائيل، أو كرواتيا، أو سريلانكا.

 


 

الكاتب سومانترا بوز أستاذ السياسة الدوليّة والمقارنة في «كلّيّة لندن للاقتصاد والعلوم السياسيّة»، حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسيّة من «جامعة كولومبيا» في نيويورك عام 1998. من كتبه «أراضٍ متنازع عليها: إسرائيل - فلسطين، كشمير، البوسنة، قبرص، سريلانكا».

 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا. 

 

 

التعليقات